قبل دقائق من الشروع في كتابة هذه الكلمات كان رئيس الوزراء الباكستاني “جيلاني” يرد على المزاعم الأمريكية التي تتَّهم السلطات الباكستانية أو”
بعضها ” على الأقل, بالتعاون مع تنظيم القاعدة !
فهل نحن أمام مأزق أمريكي جديد, ما زال في بداياته, وسوف يتدحرج تصاعدا, لتقع الإدارة الأمريكية وكما عوَّدتنا دائما, في أزمة داخلها مولود, والأمل بالنجاة منها مفقود ؟
فمنذ اللحظة الأولى لإعلان أوباما عن مقتل بن لادن إنطلق البعض بجملة تحليلات ومكرَّرات, لم تخرج في مجملها عن المعلومات الشحيحة جداً التي ذكرها الرئيس الأميركي والتي جاء ما يناقضها بعد ساعات قليلة أو تبيَّن أنها معلومات مُرْبكة ومتضاربة !
وما يعنينا نحن, أن نتناول الحدث في سياق الإستراتيجية الأمريكية السائدة في خطوطها العريضة والمعلنة , ولا نكون كمَنْ تلقى ضوءً أخضر في الحديث أو الكتابة وهو يعلم أنه لا يعلم !
فما نقرؤه اليوم أو نسمعه لا يخرج قط عن كونه صدىً لما أراد الأمريكيون شياعه في الإعلام, دون أن نملك معلومات خاصة أو سرية أو شواهد حسية عن الحدث .
وحتى لا نبقى أُسراء لِما يُخطَّط لنا , لا بد من طرح جملة تساؤلات حول تكتيك عملية الكوماندوس, والتضارب في مسألة حصول اشتباك أم لا , ومع عدمه , لماذا قتل بن لادن ولم يعتقل , وما هو دور القوات الأمنية الباكستانية التي ورَّطها أوباما إبتداءً , ونزَّهتها كلينتون لاحقاً , بل ما هو دور بعض المسؤولين الخليجيين ” الجواسيس” , وما هو إنعكاس الحدث على الأمن الأميركي والغربي عموماً , وأَمْن الاحتلال الأميركي في العراق وأفغانستان , بل على الداخل الشعبي الخليجي الذي لا يُنكر أحد أنه يحمل, ولو بنسبة ما, تعاطفاً مع بن لادن , بل ما هي ردَّةُ فعل المسلمين بما فيها الشخصيات والتجمُّعات “الحيادية” من رمي جثَّته في البحر مع القيام ” بالطقوس الإسلامية ” !!!
إن هذه التساؤلات وغيرها الكثير هي حقائق تولَّدت قهرا عن هذا الحدث , مهما حاول بعض الإعلام والدول طمسها أو تجاهلها أو تسخيفها ,كما فعل الإعلام الخليجي المربك , فشعوبنا عامة لا تُكنُّ أدنى ميل لكل الوجودات الأمريكية في بلادنا, الوجودات المعنوية منها أو المادية, بل الكراهة هي الشعور الشائع , حتى بات السؤال التقليدي ” لِما يكرهوننا ” يتحول إلى” لِما يُحبُّوننا “ولِماذا يفعلون ؟!
ليس هناك سبب واحد فقط , لكي نُحبَّ السياسة الأمريكية المتعجرفة و”الهوليودية” التي لا تُقيم وزنا لإنسان ولا لدين ولا حضارة …
إنَّ تاريخ السياسة الأمريكية, في بلادنا وغيرها, بما فيها ما يجري في منطقتنا في العقد الأخير خصوصاً , وفي فلسطين بالأخص , هو تاريخ عَصِيٌ عن التجميل مهما بُذِل جهدٌ أو تفنَّن المتفنِّنون… فهي سياسة, وعلى كافة الأصعدة , لا تُقيم وزناً لحقوق الانسان ولا الدين ولا البشرية , بل تمتطي كلَّ أساليب الإعتداء والوحشية لتوفير المصالح والرفاهية لها, ولو أسقطت كل المحرمات .
إنَّ اللَّحظة الأولى التي أعلن فيها أوباما عن قتل الشيخ أسامة بن لادن, دخلنا في مرحلة غير واضحة المعالم, ولكنَّها لا شك قفزة في المجهول , ضمن السياسة الأميركية السائدة .
فهل سقط أوباما في فخ نفسه ؟
لن تطول الأيام حتى يظهر لنا ما لم يكن في الحسبان “لا حسباننا ولا حسبان الأميركان ” , لتدور الدوائر على المغرورين المتكبرين وينجو ” الذين سبقت لهم منا الحسنى “.
إنها كلمة الله عز وجل التي سبقت “لعبادنا المرسلين , إنهم لهم المنصورون , وإن جندنا لهم الغالبون ” .
السيّد سامي خضرة
كاتب لبناني
$(function(){ $('#share').click(function(){ $('#social-buttons-container').toggle(); }); });