حلاوة المناجاة
بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ للهِ…. وَكُلُّ عَزِيز غَيْرَهُ ذَلِيلٌ، وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرَهُ ضَعِيفٌ، وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرَهُ مَمْلُوكٌ،
وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرَهُ مُتَعَلِّمٌ، وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرَهُ يَقْدِرُ وَيَعْجَزُ، وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرَهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ، ويُصِمُّهُ كَبِيرُهَا، وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا…-خ 65
قَدْ عَلِمَ السَّرائِرَ، وَخَبَرَ الضَّمائِرَ، لَهُ الْإِحَاطَةُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْغَلَبَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ، وَالْقُوَّةُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ-خ 86
للمناجات حلاوات أكثر الناس عنها غافلون , ولو عرفوا حلاوتها وسكينتها , لقاتلوا دونها بالسيوف.
والمناجاة ليست مناسبات إنما هي محطات.
وفي المناجاة بيان صفات الحق جلّ جلاله..
قال الله تعالى في مناجاته لسيدنا موسى (ع) :
يا موسى!.. إن انقطع حبلك مني لم يتصل بحبل غيري ،
اعبدني وقم بين يدي مقام العبد الحقير ،
ذمّ نفسك وهي أولى بالذم ،
ولا تتطاول على بني إسرائيل بكتابي ، فكفى بهذا واعظا لقلبك ومنيرا ، وهو كلام رب العالمين جل وتعالى ..
يا موسى!.. متى ما دعوتني وجدتني ، فإني سأغفر لك على ما كان منك،
السماء تسبّح لي وَجَلا ،
والملائكة من مخافتي مشفقون ،
وأرضي تسبّح لي طمعا ،
وكل الخلق يسبّحون لي داخرين ،
ثم عليك بالصلاة فإنها مني بمكان ، ولها عندي عهد وثيق…
إقرن مع ذلك صلة الأرحام ، فإني أنا الله الرحمن الرحيم ، والرحم إني خلقتها فضلا من رحمتي, ليتعاطف بها العباد, ولها عندي سلطان في معاد الآخرة ، وأنا قاطع من قطعها ، وواصل من وصلها, وكذلك أفعل بمن ضيّع أمري ..
يا موسى
.. أكرم السائل إذا أتاك بردّ جميل ، أو إعطاء يسير ، فإنه يأتيك من ليس بإنس ولا جان ، ملائكة الرحمن يبلونك كيف أنت صانع فيما أوليتك ….
يا موسى
.. لا تنسني على كل حال ، ولا تفرح بكثرة المال,
فإن نسياني يقسي القلوب, ومع كثرة المال كثرة الذنوب …
الأرض مطيعة ، والسماء مطيعة ، والبحار مطيعة ، فمن عصاني شقي ، فأنا الرحمن رحمن كل زمان ، آتي بالشدة بعد الرخاء ، وبالرخاء بعد الشدة ، وبالملوك بعد الملوك ، وملكي قائم دائم لا يزول ، ولا يخفى عليّ شيء في الأرض ولا في السماء ، وكيف يخفى عليّ ما مني مبتدؤه؟!..
وكيف لا يكون همك فيما عندي وإلي ترجع لا محالة ؟!..
يا موسى!..
اجعلني حرزك ، وضع عندي كنزك من الصالحات ، وخفني ولا تخف غيري إليّ المصير ..
يا موسى!..
عجل التوبة ، وأخّر الذنب ، وتأنّ في المكث بين يديّ في الصلاة , ولا ترج غيري ، اتخذني جُنّة للشدائد ، وحصنا لملمّات الأمور ..
يا موسى!..
نافس في الخير أهله ، فإن الخير كإسمه ، ودع الشر لكل مفتون .
يا موسى!..
اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم ، وأكثر ذكري بالليل والنهار تغنم ، ولا تتبع الخطايا فتندم ، فإن الخطايا موعدها النار ….
يا موسى!..
ما أُريد به وجهي فكثير قليله ، وما أريد به غيري فقليل كثيره (الجزء الثالث عشر – كتاب تاريخ الانبياء – باب ما ناجى به موسى (ع) ربه وما أوحى إليه من الحكم والمواعظ)
وفي مناجاة أخرى قال الله تبارك وتعالى لسيدنا موسى (ع):
يا موسى !..
لا يطول في الدنيا أملك فيقسو لذلك قلبك ، وقاسي القلب مني بعيد.
يا موسى !..
كن كمسرّتي فيك ، فإنّ مسرّتي أن أُطاع فلا أُعصى ، وأمت قلبك بالخشية ، وكن خَلِق الثياب جديد القلب ، تَخفى على أهل الأرض ، وتُعرف في أهل السماء ، حلس البيوت ، مصباح الليل ، واقنت بين يديّ قنوت الصابرين ، وصِحْ إليّ من كثرة الذّنوب صياح المذنب الهارب من عدوّه ، واستعن بي على ذلك فإنّي نِعْمَ العون ونِعْمَ المستعان.
يا موسى !..
إنّي أنا الله فوق العباد والعباد دوني ، وكلٌ لي داخرون ، فاتّهم نفسك على نفسك ، ولا تأتمن ولدك على دينك ، إلاّ أن يكون ولدك مثلك يحبّ الصالحين….
يا موسى !…….
ثمّ عليك بالصلاة الصلاة ، فإنّها منّي بمكان ولها عندي عهد وثيق …….. كيف مواساتك فيما خوّلتك …
يا موسى !..
إذا رأيت الغنى مقبلا ، فقل : ذنب عجّلت إليّ عقوبته ، وإذا رأيت الفقر مقبلا ، فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، ولا تكن جبّارا ظلوما ، ولا تكن للظالمين قرينا …. (الجزء الرابع والسبعون – كتاب الروضة – باب مواعظ الله عز وجل في سائر الكتب السماوية وفي الحديث القدسي وفي مواعظ جبرائيل (ع)