6-12-2010
كل يوم نسمع نحن في لبنان من البعض مدحا غير مشروط وآمالا سحرية وما يتبع ذلك من تأييدات وإعجابات بلا حساب للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن
ولما يسمى ” بشرعة حقوق الإنسان ” وما يتفرع منها وشابهها .
والبعض يتعامل مع هذه المؤسسات كأن قوانينها نزلت للتو من السماء وأنها سوف تحقق العدالة المنتظرة وآمال الشعوب, ومن السهولة بمكان إلصاق التهمة أو تفعيل الإدانة أو لصق العيب بمن يخالف ما تقرره تلك المؤسسات الدولية.
وفي هذا السياق يقع ما نعيشه اليوم في لبنان من تشنجات حول تلك المُسماة “بالمحكمة الدولية “.
فيكفي مثلا أن نعترض على أصل تشكيل المحكمة أو قانونيتها أو عدم دستوريتها أو طريقة عملها أو صلاحيتها أو بعض الموظفين فيها أو ما يجري فيها وحولها…حتى يقوم المعجبون بالدفاع عنها ويتهموننا أننا نحارب العالم… وأي عار بعد هذا العار !
ومن الغريب أن هذه المؤسسسات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وما يتفرع عنهما، من الغريب أن تاريخهما لا يشهد لهما بما يُشرِِّف , فمنذ نشأة هذه المؤسسات لا نراها إلا أدوات للسيطرة على الشعوب وإستنزافها ومصادرة خيراتها والفتك بإقتصادها وقمع شعوبها والتشريع لطغاتها وتسهيل المشاريع المشبوهة.
وكل الحكام المشبوهين في بلاد العالم الثالث لا يحتفظون بسلطتهم إلا نتيجة تأييدات وبركات الدول الكبرى والأجهزة التابعة لها .
ويكفينا أن نطَّلع على جملة عشوائية من قرارات الأمم المتحدة لنرى أنها ما كانت إلا خطوات تمهيدية وصُورية مُموهة لتطبيق سياسات الدول الغربية وخاصة ممن يملكون حق النقض veto وبالأخص أمريكا , فلا يمكن لمثل تلك المؤسسسات أن تكون خارجة عن سلطة الدول الكبرى .
ونحن في المنطقة العربية وبالأخص فلسطين وما حولها نعاني الأمرَّين مما صدر ويصدر عن هذه المؤسسات من دون أن يطبق, فمثلا القرار 425 لم يطبق إلا بعد حوالى ثمانية وعشرين عاما, وكذلك عشرات القرارت الأخرى يُتعامل معها كأنها غير موجودة ما دامت تنال من خط الدفاع الأول للغرب المسمى ” إسرائيل ” , وأما ما هو لصالح هذا الكيان فيُستعمل كسيف مسلط على رقابنا.
في هذه الأجواء وبعد تجربة زادت عن الستين عاما ما زال يُصر البعض لسبب ما , على أن يعتبر كل خطوة من خطوات هذه المؤسسات هي كتاب مُنزل من السماء، بل إن بعض اللبنانين كثيرا ما يحبون تكرار ما لا يقبله عقل أو منطق أو واقع أو تاريخ كقولهم مثلا ” إن لبنان هو عضو مؤسس في الأمم المتحدة ” مع العلم أن أدنى نظرة إلى كيفية تأسيس الأمم المتحدة سوف نرى أنها نتيجة الحرب العالمية الثانية وأن الدول الكبرى ” المنتصرة ” هي التي تقرر مثل هذه الأمور , وأن فرنسا وبريطانيا هما الفاعلان الأساسيان , خاصة أنهما وضعا أكثر من 45% من حدود الدول الحالية في العالم نتيجة دورهما الإستعماري المديد، فيقول هؤلاء أن ” لبنان عضو مؤسس ” وكأنه نظير مساوي للدول الكبرى , علما أنه آنذاك كان دولة ناشئة تكاد لا تُرى ولا تُعرف ولا تملك لها قرارا , ولم يمر على ما سُمي ” إستقلالا ” إلا سنوات قليلة !
فعلينا أن نَعلم وأن نُعلِّم الآخرين أن الواضعين والمشرفين عل المؤسسات الدولية أعلاه هم حكام العالم الذين لم تعرف البشرية منهم إلا سطوة وسيطرة وعنفا وإحتلالا ونهبا وظلما وفسادا قلَّ نظيره في التاريخ.
وفي هذا السياق تأتي المحكمة الدولية التي لم تكن منذ ما قبل تأسييها إلا إستجابة لسياسات محددة يُراد تطبيقها في بلادنا لمزيد من الهيمنة والمصادرة والإحتلال المقنَّع ومكافحة كل أشكال المقاومة والممانعة .
نقول لأهل المحكمة والمغرمين بها والمعجبين والمنبهرين والمنتظرين لبركاتها أن التاريخ لا يُسعفكم ولا يُسعفها ” فالحية وإن غيَّرت جلدها إلا أنها لا تُغيِّر طبعها “.
$(function(){ $('#share').click(function(){ $('#social-buttons-container').toggle(); }); });