المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
أبتاه،
أستأذنك في أن أخاطبك، ولتنصت إلي… لظني أن استئذانك من البر الذي أمرني الله سبحانه به.
أستأذنك، وقد أصبحت اليوم في أوج شبابي، أخوض غمار الحياة بحلوها ومرها، بسهلها وصعبها… بحلالها وحرامها.
وكم خطر في بالي أن أعود صغيرا لو أستطيع، ولن أستطيع، لأربي نفسي من جديد، لأتعلم من أخطائي وعيوبي، لأستفيد من وقتي أكثر!!!
لكن هيهات هيهات…
لأول مرة يا أبي أفهم جيدا أن الساعة التي تمر لن تعود أبدا.
أبتاه،
كنت شديد الحرص على تربيتي وتعليمي، وأن أظهر بمظهر حسن بين الناس، ورفهتني وأستجبت لمطالبي قدر الإمكان، ودافعت عني دوماً!!! وجعلت الحق معي أبداً!..
لكن، هل كل هذا كان لصالحي ولخير مستقبلي؟!
أبي،
عملت لدنياي… وأخشى اليوم على دنياي… وقلبي على آخرتي! “دلعتني”… واليوم أدفع الثمن غالياً… أرجو أن لا يكون باهظاً… أو سبباً لهلاكي.
رفهتني… وتبين أن النعم لا تدوم… أو لا تتوفر دوماً، فتتنغص حياتي
سكت عني وأنا متبع لهواي… والآن هذا الهوى يكويني.
تهاونت عني في رفاق السوء… وظهر أن أهل السوء أعدائي، وكم خسرت من كرامتي أمامهم…
رضخت لإصراري على السهرات والرحلات والحفلات والرقصات… فكانت، والله يا أبي، علي كوابيس، ما زالت تقض مضاجعي!
كم كنت طيباً يا أبي أ، طاوقتني… لكن هل كان ذلك جيداً؟!
كم كنت منفتحاً متحرراً… لكن قيدتني بسجن كبير… قد أقضي فيه ما بقي من حياتي!
كم كنت كريماً معي… لكنه كرم، كانت نتيجته ألم.
حقاً:
لم تمنع عني الأموال… لكن لو منعت بعضها لشكرتك اليوم أكثر
تساهلت معي كثيراً… ولو لم تفعل لكنت اليوم معك باراً أكثر..
أبتاه،
أعترف: ليس كل ما طلبته منك كان لصالحي، وليس كل ما غضبتُ لأجله كان لمصلحتي،
أبتاه،
مع ثقتي بك وحبي لك، أقول:
إن أكثر عصبيتي وبكائي ما كان حلها في الرضوخ لمطالبي تماماً، كما لو أعجبتني أكلة معينة، وطلبت منها عشرة صحون، ما كنتَ لتعطيني إياها، لعلمك بضررها لي.
ولدك
لتحميل الكتاب اضغط هنا :