ثقيل على النفس القول , إنَّ حدث تقسيم السودان أصبح وراء ظهورنا! فجماهيرنا التي طالما نظَّرت وحلمت وبشَّرت وتمنَّت وسعت لوحدة عربية ما , ولو
مُجتزأة أو شكلية أو عرجاء , يصعُب عليها اليوم أن تهضم المشهد السوداني .
أما ” المُلطِّفات ” المشهدية كوقوف البعض لإعلان رضاه وموافقته على التقسيم , فهي كَمَنْ يُعبِّر عن سعادته وفرحته بمَن إحتل بيته وأرض أجداده وطرده منها , ويقول أن المحتل أجدر به من نفسه وأَلْيق, وذلك تعبيرا عن عجزه المكنون , في مشهد يزيدنا إستفزازا وألما .
على كل حال إستيقظنا هذا الصباح على الحقيقة المرَّة , على سودان شمالي وآخر جنوبي , أو قُل , على سودان أصلي وسودان طارئ , المهم أننا أمام جملة من الأسئلة مهولة ومخيفة , لا يُغيِّر تجاهلُها شيئا .
فالسودان الذي طالما تغنَّيْنا بمساحته وزراعته وثروته وصوفيَّته وشعبه المتميِّز بالطيبة والخُلُق والمستوى العلمي, وأنه ظهر مصر وشرفة إفريقيا وسهل النيل…إذا بنسخة مُهجَّنة تتولد منه اليوم لا يُعرف موقفها من كل ما تقدم ومن كل قضايا الأمة, من فلسطين إلى مصر الملاصقة إلى قضايا العروبة والإسلام إلى سياسته ودوره الأخوي أو الجواري , بل كل المؤشرات والتبنِّيات السريعة الأمريكية والغربية للكيان المخترع, لا تُبشر إلا بالسوء بلا إلتباس , فها هي الأعلام الإسرائيلية تُرفع في الإحتفالات الأولى, لتقطع الشك باليقين , ولنسمع غدا قصة إبريق الزيت في خلافات وإختراعات وإشكالات ومنازعات على الصغيرة والكبيرة , لا تنتهي, في حدود وحقوق لا ضابط لها, اللهم إلا التدخلات الغربية والقرارات الدولية…وخير مَن يَخْبُرُ هذه الحال نحن أهل بلاد الشام, ضحايا سايكس بيكو .
ويا ليتنا نحن اليوم أمام نهاية المشهد, بل نحن في بدايته, فالذين خطَّطوا لِما وصلنا إليه سودانيا لن يردعهم شيء عن نسخة جزائرية أو مغربية أو ليبية…أو في بلاد الثروات والتَّرف التي لا يُعرف مفقودها من مولودها, وظاهرها من باطنها , وعلانيتها من سرها .
وأثناء كتابة هذه الكلمات , قد يكون الإستعداد بدأ للإحتفال بإستقلال “دارفور” قريبا وبحضور ومباركة “السودانَيْن “!
ثورات تُحاصر, وثروات تُصادر, وطاقات تُهدر, وفُرص تُبدَّد, وإرتهان للخارج , وحكام مُرتعبون, وشعوب لاهثة وراء أقل المُقوِّمات المعيشية…
هذه هي حال العرب اليوم.
اليوم نشعر أكثر بطعم إنتصارات المقاومة في لبنان , لأننا تلمَّسنا ولأول مرة طعم ومعنى وحقيقة الإستقلال والعِزَّة .
هي دعوة لتعميم النموذج , وإلا سقوط لكل النماذج السائدة.
$(function(){ $('#share').click(function(){ $('#social-buttons-container').toggle(); }); });