الجوع وأسراره

23-11-2017

الجوع وأسراره

الجوع وأسراره بسم الله الرحمن الرحيم.... الجوع هو أبرز ما يتبادر للذهن عند ذكر الصوم. معناه وأنواعه هو ألم البطن الناتج عن فراغ المعدة من الطعام ، فكل يوم نصاب فيه بالجوع ، وهو من قوانين البشر ومظاهر الضعف البشري.‏ وله جانبان:‏ 1. جانب ايجابي وهو الجوع الاختياري او الجوع لهدف...‏ وتعظيم الجوع لا بد وأن يقف عند الحد الذي تتحقق فيه فوائده، وتنتفي آفاته، بحيث يؤدي إلى قوة البدن والفكر والروح، ولا يؤدي إلى الضعف والمرض والتماوت والهلاك.‏ إذاً هوالجوع الإرادي التربوي المُتعمد (مقابل جوع الحرمان والفقر والفقد) الممدوح.‏ 2. وجانب سلبي إجباري لئيم الناتج عن الجوع الاجباري الظالم، كأن تجوع لأن غيرك منع عنك حقك بالغذاء.‏ وهو أسوأ انواع الجوع .‏ أسرار الجوع‏ تكلم الغزالي عن الجوع في إحياء علوم الدين وذكر للجوع سبع فوائد هي: صفاء القلب، ورقته، وذل النفس، وتذكُّر الجائعين، وكسر الشهوة، وخفة البدن، وقلة المؤنة (تكاليف المعيشة).‏ والجوع الإرادي التربوي المُتعمد (مقابل جوع الحرمان والفقر والفقد) ممدوح، لأنه:‏ إنعتاق عن الضعف الإنساني بالإنصياع لله القادر المهيمن..‏ وفيه ترويضٌ للروح لضبط الشهوات التي قد تؤدي إلى المعاصي..‏ ومن فوائده صفاء القلب من خلال التشبه بالملائكة العابدين...وهو جوع الراغبين للذين يرغبون بالتقرب الى الله كسيدنا موسى عليه السلام الذي صام أربعين يوماً...‏ ومن فوائده الإنكسار والتذلل حتى تسكن النفس وتخشع...‏ ومن فوائده زوال الأشر والبطر...‏ وتقليل النوم‏ والإحساس بطعم العبادة...‏ وهو سياسة مطلوبة ونهج حياة...وهكذا ينبغي أن نكون .‏ وعن الامـام زيـن الـعـابدين (ع ) : ان العاقل عن اللّه الخائفَ منه العاملَ له ليمرن نفسه ويعودها الجوع حتى ما تشتاق الى الشبع , وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان.‏ وحسبنا ما أشار إليه الله تعالى من أن الصوم سبيل التقوى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 183 ].‏ بعض ما ورد فيه‏ قال الملكي التبريزي عليه شآبيب رحمة الله عز وجلَّ :‏ الجوع فيه فوائد للسالك في تكميل نفسه ومعرفته بربه لا تحصى ، وقد وردت في فضائله أشياء عظيمة في الأخبار لا بأس بالإشارة إليها أولاً ثم الكشف عن لمّه ، والإشارة إلى حكمته ،‏ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : جاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش ، فإن الأجر في ذلك كأجر المجاهد في سبيل الله وأنه ليس من عمل أحب إلى الله من جوع وعطش .‏ وقال لأسامه : إن إستطعت أن يأتيك ملك الموت وبطنك جائع ، وكبدك ظمآن فافعل ، فإنك تدرك بذلك أشرف المنازل ، وتحلُّ مع النبيين ، وتفرح بقدوم روحك الملائكة ، ويصلّي عليك الجبّار .‏ وقال أجيعوا أكبادكم ، واعروا أجسادكم لعلّ قلوبكم ترى الله عزوجل.‏ وفي حديث المعراج قال : قال : يا أحمد هل تعلم ميراث الصوم ؟ قال : لا ، قال : ميراث الصوم قلّة الأكل ، وقلّة الكلام ، ثم قال في ميراث الصمت : إنها تورث الحكمة وهي تورث المعرفة ، وتورث المعرفة اليقين ، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح .. بعسر أم بيسر .. فهذا مقام الراضين .‏ فمن عمل برضاي أُلزمه ثلاث خصال : شكراً لا يُخالطه الجهل ، وذكراً لا يُخالطه النسيان ، ومحبة لا يؤثر على محبتي حب المخلوقين ، فإذا أحبّني أحببته وحبّبته إلى خلقي ، وأفتح عين قلبه إلى جلالي وعظمتي فلا أُخفي عنه علم خاصّة خلقي ، فأُناجيه في ظلم الليل ونور النهار ، حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم ، وأُسمعه كلامي وكلام ملائكتي وأُعرّفه سرّي الذي سترته من خلقي...‏ إلى أن قال : وأستغرقن عقله بمعرفتي ، ولأقومنَّ له مقام عقله ، ثمَّ لأهونّن عليه الموت وسكراته ، وحرارته وفزعه ، حتى يساق إلى الجنة سوقا ، فإذا نزل به ملك الموت يقول : مرحباً بك وطوبى لك ثمَّ طوبى لك ، إن الله إليك لمشتاق - إلى أن قال : يقول : هذه جنّتي فتبحبح فيها ، وهذا جواري فاسكنه .‏ فيقول الروح : إلهي عرّفتني نفسك فاستغنيت بها عن جميع خلقك ، وعزّتك وجلالك ، لو كان رضاك في أن اُقطّع إربا إربا أو أقتل سبعين قتلة بأشد ما يقتل به الناس ، لكان رضاك أحب إلي - إلى أن قال - فقال الله عز وجل : وعزّتي وجلالي لا أحجب بيني وبينك في وقت من الأوقات حتى تدخل عليَّ أي وقت شئت ، وكذلك أفعل بأحبائي .‏ وفـي حـديث المعراج أيضاً قال (ص ):‏ يا رب , ما ميراث الجوع ؟ قال : الحكمة , وحـفـظ الـقلب , والتقرب الي , والحزن الدائم , وخفة المؤونة بين الناس , وقول الحق , ولا يبالي عاش بيسر او بعسر.‏ فضل الجوع المادي والمعنوي‏ عـن رسـول اللّه (ص ): مـن قـل طـعـمـه صح بطنه وصفا قلبه , ومن كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه.‏ وعن الامـام علي (ع ): من قل طعامه قلت آلامه.‏ وعـنـه (ع ) : اذا أراد اللّه سبحانه صلاح عبده ألهمه قلة الكلام , وقلة الطعام , وقلة المنام .‏ وعن الامام علي (ع ) : كثرة الأكل والنوم يفسدان النفس ويجلبان المضرة .‏ ووضعت الحكمة والعلم في الجوع، كما وضعت المعصية والجهل في الشبع ، وما وصل الصالحون إلا باخماص البطون.‏ ضرر كثرة الطعام‏ عن رسـول اللّه (ص ) : لا تـمـيـتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب , فان القلب يموت كالزرع اذا كثر عليه الماء.‏ عن رسـول اللّه (ص ) : الـقـلـب يـتـحـمل الحكمة عند خلوالبطن , القلب يمج الحكمة عند امتلاء البطن.‏ الجوع والعبادة‏ وعن الـمـسيح (ع ) : يا بني اسرائيل , لا تكثروا الاكل , فانه من اكثر الاكل اكثر النوم , ومن اكثرالنوم اقل الصلاة , ومن اقل الصلاة كتب من الغافلين.‏ وعنه (ص ) : ايـاكـم وفـضول المطعم , فانه يَسِم القلب بالقسوة , ويبطئ بالجوارح عن الطاعة , ويصم الهمم عن سماع الموعظة.‏ من صفات أهل الدنيا‏ عن رسـول اللّه (ص ): المؤمن يأكل في معاء واحد , والكافر يأكل في سبعة امعاء .‏ عن رسول اللّه (ص ) : من تعود كثرة الطعام والشراب قسا قلبه.‏ من علامات الخواص‏ قال رسول اللّه (ص ) : يا رب , ما علامات اولئك ؟ قـال :هـم فـي الـدنـيـا مـسـجـونـون , قد سجنوا ألسنتهم من فضول الكلام , وبطونهم من فضول الطعام.‏ دعاء :‏ صلّى أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام صلاة المغرب في ليلة رأى فيها هلال شهر رمضان، فلمّا فرغ من الصلاة، ونوى الصيام، رفع يديه، فقال:‏ « .........‏ ............‏ اللهمّ صحّح أبداننا من العلل، وأعنّا على ما افترضت علينا من العمل، حتّى ينقضي عنّا شهرك هذا، وقد أدّينا مفروضك فيه علينا.‏ اللهمّ أعنّا على صيامه، ووفّقنا لقيامه، ونشّطنا فيه للصلاة، .........‏ اللهمّ ارزقنا الإفطار من رزقك الحلال‏ ...........‏ اللهمّ لا تطعمنا إلّا طيّباً، غير خبيثٍ ولا حرام، واجعل رزقك لنا حلالاً، لايشوبه دنس........."