فضل الجهاد في سبيل الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي جعل صلاحَ الدنيا والدين، وخيرَهما بالجهاد في سبيله، إذ الدعوةُ إلى دينِ الله تعالى، وتطبيقِ أحكامه، وحفظ حدوده
من الواجبات الشرعية، التي وإن تقاعس عنها أكثرُ الناس، فلا يسقط الواجبُ والجهاد لاقامتها.
ولا شكَّ أنَّ الجهاد في سبيل الله تعالى، بابٌ من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، كما يقول مولانا أمير المؤمنين وقدوة المجاهدين علي (ع).
يقول الله تبارك وتعالى(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ (سورة الصف الآية 4)
الجهاد ركن في الإسلام
وللجهاد في الإسلام أهميةٌ استثنائية، حيث اعتبر من الأركان الأساسية، التي قام عليها الدين، ولولاه ما قام للدين عمود، وما إخضرَّ للإسلام عود، وهو يُمثَّل قمة العطاء ومنتهى التضحية، حيث يُعرِّضُ المرءُ حياتَه للخطر، واحتمالِ الموت، أو الخسارةِ التي تُعوَّض، كل ذلك في سبيل الله تعالى، ولإعلاء كلمة الإسلام، ونشرِ دين الحق في الأرض.
وإذا كان القتال العسكري بين الدول والشعوب يُعتبر في كثير من الأحيان اعتداءً أو جريمةً أو مظهراً من مظاهر السيطرة والهيمنة… إلا أنه في الإسلام، مظهر من مظاهر سيادة الحق والأمن والإستقرار.
يقول الله تبارك وتعالى:( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (41)/ سورة الحج الآية41
الجهاد نعمة ٌعظيمة
وفي كثير من الحالات يكون الجهاد في سبيل الله للدفاع عن المستضعفين والمظلومين الذي لا حول لهم ولا قوة، أما سلطةِ الطاغوت والطمع، التي تريد أن تستغلَّهم وتستغلَّ خيراتِهم، ولولا الجهاد والقوة الرادعة، لَفَسَدت الأرض، وأهلك القوي الضعيف ، وفي ذلك يقول الله عز وجل:(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)/ سورة الحج الآيتان39و40
من هنا نرى، أنَّ الجهاد في الإسلام نعمة ٌعظيمة، وإن كان القتالُ عند الآخرين، شؤماً ونقمةٌ على البشرية.
وانطلاقاً من هنا، كان للإسلام أحكام عديدةٌ تتعلق بالجهاد وجوباً أو استحباباً، فرضاً أو نفلاً، أدباً أو سنة. فقد أشار قدوةُ المجاهدين، الرسول المصطفى (ص) إلى أهمية الجهاد العسكري وضرورته، حتى أنَّه(ص) اعتبر أنَّ العالم ونظامَ البشر، والراحة والأمن والخير، لا تكون إلا بالسيف وبركته، فقال(ص): ” الخير كله في السيف، وتحت ظل السيف، ولا يُقيمُ الناس إلا بالسيف، والسيوف مقاليد الجنةِ والنارِ”( وسائل الشيعة ج11ص5ح1)
وعن الباقر (ع) قال:” إنَّ الخيرَ معقودٌ في نواصي الخيل الى يوم القيامة “( وسائل الشيعة ج11ص9ح18)
وهذا يُشير إلى وجوب اللجوءِ إلى السيف في بعض الأحيان، وإلى استحبابه في أحيانٍ أخرى، كما ويُفهم أيضاً من النص المبارك، أن تحصيلَ الخير في بعض الظروف لا يمكن أن يكون إلا بالسيف، وأنَّ تركَ ذلك يؤدي إلى ضياع الحقوق والأوطان والسلام. فلا بدَّ من قوةٍ رادعةٍ لتحصيلَ الحق لأهله، وقمع المجرمين والمفسدين.
ففي نص عنه(ص):” فمن ترك الجهادَ، ألبسه الله ذُلاً وفقراً في معيشته، ومَحْقاً في دينه، إن الله أعزَّ أمتي بسنابك خيلها، ومراكز رماحها”( وسائل الشيعة ج11 ص9ح2)
وعلى كل حال، فإنَّ الجهاد أمرٌ، جعله الشرعُ المقدسُ علينا واجباً أو مستحباً… بحسب الظروف والأوضاع…
ومن آداب السلوك في الإسلام، أن يبقى المسلم متهيئاً، ومستعداً دائماً للجهاد في سبيل الله، ولردِّ العدوان ودفعِ المخاطر… وأن يكون جنديَّ احتياط في جيش الإسلام…
وهذا ما تُقِرُّه وتمارِسه أكثرُ الأنظمة في العالم للمحافظة على كِيانها ومكاسبها.
وفي هذا المعنى، رُوي عن النبي (ص) قولُه:” أخبرني جبرائيلُ بأمر قرَّت عيني، وفرح به قلبي، قال:يا محمد من غزا من أمتك في سبيل الله فأصابه قطرةٌ من السماء أو صداعٌ، كتب الله له شهادةً إلى يوم القيامة”( وسائل الشيعة ج11 ص6ح4)
وعنه (ص):”خيول الغزاة في الدنيا، خيولهم في الجنة، وإنَّ أردية الغزاةِ لسيوفهم”( وسائل الشيعة ج11ص5ح3)
وبهذا يتبين لنا وجوبُ الجهاد مع القدرة على ذلك، للدفاع عن الأرض والعرض، واستحبابُه في حالات أخرى.
الدعوة إلى الجهاد والترغيبُ به
وعملت الحكوماتُ القائمة اليوم، في بلاد المسلمين، جاهدةً لإبعاد أحكام الله وشريعته، وإقصائها عن الحياة اليومية والاجتماعية والسياسية للشعوب، تماماً كما فعل من قبل بنو أمية، وبنو العباس، الذي لم يختلفوا سلوكاً، في تعطيل حدودِ الله، وتحريفها بما يتناسب مع مصالحهم وأهوائهم.
فقد أرسل الإمام الباقر(ع) إلى بعض حلفاء بني أمية رسالةً، ومما قال فيها مؤنباً لهم على تضييع الجهاد:
“ومن ذلك ما ضُيِّع الجهاد، الذي فضَّله الله عز وجل على الأعمال، وفُضِّل عامِلُه، على العمال تفضيلاً في الدرجات والمغفرة والرحمة، لأنه ظهر به الدين، وبه يُدفع عن الدين، وبه اشترى الله من المؤمنين أنفسَهم وأموالهم بالجنة بيعاً مُفلحاً مُنجحاً، اشترط عليهم فيه حفظ الحدود، وأول ذلك، الدعاءُ إلى طاعة الله من طاعة العباد، وإلى عبادة الله من عبادةِ العباد، وإلى ولاية الله من لاية العباد …”( وسائل الشيعة ج11ص6ح8)
ومن الأدب في الإسلام، أن لا يتخلف المسلم عن الجهاد خوفاً من الموت والقتل، وأن يكون عنده يقين، بأنَّ أجله المكتوبَ عليه واقعٌ به لا محالة، إن كان في ساح الجهاد، أو في زوايا المنزل، فعن مولانا قدوة المجاهدين، علي أمير المؤمنين (ع) في خُطبةٍ له يوم الجمل، قال: “أيها الناس إنَّ الموتَ لا يفوته المقيم، ولا يُعجزه الهارب، ليسَ عن الموت محيصٌ، وَمَنْ لم يمت يُقتلْ، وإنَّ أفضل الموتِ القتل، والذي نفسي بيده لألف ضربةٍ بالسيف أهون علي من ميتة على فراش”(وسائل الشيعة ج11ص6ح8)
وفي سياقِ الحثِّ على الجهاد، ودعوةِ الناس إليه، نذكر قولَ الله تعالى، في أمره للنبي(ص) بضرورة التحريض على الجهاد، لتثبيت قلوب المؤمنين، حيث قال سبحانه وتعالى ) يا أيها النبي حرِّضِ المؤمنين على القتال…)/ سورة الأنفال الآية65
والرسول(ص) بدوره، وفي معرض تحريضه على الجهاد، وترغيباً للمؤمنين ولمستقبلهم ومستقبلِ أولادهم في ذلك، يقول:” اغزوا، تورثوا أبناءَكم مجداً”( وسائل الشيعة ج11ص9ح16)
وهذا أميرُ المؤمنين(ع) في حديث جامع له، يُحرِّضُ على الجهاد، فيقول:” إن الله فرض الجهادَ، وعظَّمه وجعله نَصْرَه وناصرَه، والله ما صلحتْ دنيا ولا دين إلا به”( وسائل الشيعة ج11ص9ح15)
ويُستحب الترغيبُ بالجهاد، وإظهارُ ثوابه، وثواب الشهادةِ في سبيل الله، وأجرها، وما أعدَّ الله للشهيد أو المجاهد، وما يترتب على الجهاد من فوائد ومنافع، حتى يتحمسَ لذلك أهلُ الهدايةِ والتوفيق، ومَنْ أراد الله سبحانه فيهم خيراً.
وفي روايةٍ عن الرسول المصطفى(ص)، قال:” للشهيد سبعُ خصالٍ من الله:
أولُ قطرةٍ من دمه مغفورٌ له كلُّ ذنب، والثانية، يقع رأسُه في حجر زوجتيه من الحور العين، وتمسحان الغبارَ عن وجهه، وتقولان: مرحباً بك، ويقول هو مثلَ ذلك لهما، والثالثة يُكسى من كِسْوة الجنة، والرابعة يبتدره خزنةُ الجنة بكل ريح طيبة، أيُّهم يأخذه معه، والخامسة، أن يرى منزله، والسادسة، يُقال لروحه، اسرَحي في الجنة حيث شئتِ، والسابعة، أن ينظر في وجه الله، وإنها لراحة لك نبي وشهيد”( وسائل الشيعة ج11ص9ح20)
وعن مولانا الصادق(ع) قال:”من قُتل في سبيل الله، لم يُعَرَّفْه الله شيئاً من سيئاته”( وسائل الشيعة ج11ص9ح19)
ومن الأمور المرغَّبة في الجهاد والشهادة، أنه ليس وراءَ ذلك مرتبةٌ ولا فضلٌ، حيث رُوي عن الرسول(ص) قوله:” فوقَ كلِّ ذي بر بر، حتى يُقتلَ في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله ، فليس فوقه بر….” ( وسائل الشيعة ج11ص10ح21)
فضل الجهاد على العبادة
يُفهم من النصوص المباركة، أن الجهاد من الفرائض والعبادات، وأنه من الأمور المحببة إلى الله، وهو من أفضل الأعمال، ويكفي لمعرفةِ فضله أنْ نعرف أنَّ أوّل مقاتلٍ في سبيل الله كان سيدنا إبراهيم الخليل(ع) كما جاء في النصوص الشريفة.
وآثار الجهاد على النفس، كثيرةٌ، لأنه نوعُ بلاءٍ وامتحان للإنسان المسلم، ويُحدد مقدارَ صدقهِ ووفائِهِ للمبادئ التي يحمل، أو يدعو إليها، فهو يتطلب جهداً وتعباً ومشقةً وعرقاً وسهراً ومشياً وتحملا ً وجوعاً وألماً وغربةً…
هذا في الأحوال العادية، وفي حالات أخرى يتطلب دماً وأعضاء ونفساً وحياة، حيث يبيع المجاهدُ في سبيل الله رأسه وجمجمته، لإحقاق الحق وإظهاره.
وليس هذا موجوداً في الصلاة والصيام .
ومن هنا نستطيع أن نفهم ، لماذا جعل الرسولُ(ص) الجهادَ أفضلَ من السياحة، والمقصود بالسياحة هنا، التفرغُ في الجبال والبراري، بعيداً عن الناس وضجة الحياة، للصلاة والصيام والتعبد والتفكر.
ومع أنَّ هذا مفيدٌ أيضاً، ويحتاج إلى مشقة وفيه أجرٌ، إلا أنه في أحسن حالاته، لا يُجاري الجهادَ في سبيل الله.
فقد جاء عثمان بن مظغون رضوان الله عليه، إلى رسول الله(ص) وقال له:إنَّ نفسي تُحدثني بالسياحة، وأن ألحق بالجبال، فقال(ص):”ياعثمان لا تفعل، فإنَّ سياحة أمتي الغزوُ والجهاد”( وسائل الشيعة ج11ص10ح22)