بسم الله الرحمن الرحيم…. قال الله ربي جلَّ جلاله: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30)الزمر عندما نفقد كبيراً، نفقد رمزاً في محيطنا
وركناً في حياتنا. وأقسى ما في هذا الفقدان أنّه لا يُعوّض ولو بعد طول زمان.
” الناس عَلَى أَحْوَالٍ شَتَّى: فَمَيِّتٌ يُبْكَى، وَآخَرُ يُعَزَّى، وَصَرِيعٌ مُبْتَلًى … وَطَالِبٌ لِلدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلُبُهُ، وَغَافِلٌ وَليْسَ بِمَغْفُولٍ عَنْهُ … أَلاَ فَاذْكُرُوا هَاذِمَ اللَّذَّاتِ، وَمُنَغِّصَ الشَّهَوَاتِ، وَقَاطِعَ الْأُمْنِيَاتِ…”
وكلنا بحاجة لكبارنا، بحاجة:
لتجربتهم وخبرتِهم وصلابتهم وصبرهم وقصصهم وتربيتهم وجَلَدهم وطهارتهم وصفاء نيتهم ونقاوة سريرتهم… في زمن القحط والجفاف المعنوي.
نفتقد في كبارنا تاريخَنا، ونحن نرى تبدلاتٍ سريعةً في تكوين شخصيات نسائنا.
نساؤنا اليوم اللواتي هُنَّ لا شرق ولا غرب، ولا أصالة ولا حداثة، ولا قديم ولا جديد !
هل لو رجعتْ الحاجة أم حسين الخنساء إلى الدنيا، وأطلَّت على نساء اليوم، على حجابهم وأحاديثهم واهتماماتهم وسهراتهم… هل سوف تعرفهم، أم سوف ترى نساءً حيارى لا مسلمين ولا نصارى ؟
سوف نفتقد الحاجة أم حسين الخنساء ونظائرَها.
نفتقدها وقد وقفت مع المجاهدين منذ بداياتهم وفي عز أزماتهم، وكانت حاضرةً إلى جانبهم، وكثيرٌ منهم أكلوا من تحت يديها ووجدوا ملجأهم في منزلها.
هي، ليس لأولادها وأحفادها فحسب، بل لكل مَن عرفها، عرفها قوية حاضرة حاسمة مندفعة، لا تُجامل ولا تساوم.
نعتذر منها ونحن نخبرها:
أنَّ همّ نسائنا اليوم تعلّمُ فنونِ الطبخ، لأننا ،كما يبدو، أميون لم تعرف بيوتُنا طبخ ولا نفخ!
وهمُّ بعضِ نسائنا التباري في حجاب لم يعرف الحجاب، بل لم يشمَّ رائحةَ الحجابِ ، أو أنه يُشبهه زوراً!
وهمُّ بعض نسائنا أركيلة المعسَّل أو العجمية في السَّهر أو الصبحية!
وهمّهم بعد موجة المسلسلات المكسيكية، رسى عند نور ومهنَّد في الموجة التركية !
أيتها الأخوات
إعلمن أن الموت ” آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ، وَشَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ ، وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لاَ يَأْكُلُ، وَيَبْني مَا لاَ يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُج إِلَى اللهِ، لاَ مَالاً حَمَلَ، وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ “
من حقك أن تسألي عن تربية الأطفال والاعتناء بهم، في ظل موضة الخادمات ، اللواتي لا تخلو منهن البيوتات، واللواتي لا بد منهن في بيوتنا للمساعدة والاعتماد والتواكل والتنبلة والبريستيج والمظهر…
والأكيد أن الأجوبة الصريحة لن تُعجبك كثيراً.
واكبتْ الحاجة أم حسين الخنساء جيلَ الشباب الذين درسوا الفتوى في مساجد الغبيري وبئر العبد، وكانوا يُسلِّمون تسليماً، قبل أن تُصبح الفتوى فتاوى، قابلةً للأخذ والرد، والتعديلِ والتجميل، والتفسيرِ والتأويل.
عندما نفقد هذه الطينة المميَّزة، نفقد جزء من أنفسنا، لأن شخصيتنا ليست الشكلَ الماديَّ الذي يظهر إذا وقفنا أمام المرآة، بل هي اتصالنا بالجذور والأصول والمنبع.
عزاؤنا أن بركة هؤلاء تبقى وإن رحلت أجسادُهم، فالأجساد مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة.
وكأني بها تقول :
” أُوصِيكُمْ عِبادَاللهِ بِالرَّفْضِ لِهذهِ الدُّنْيَا التَّارِكَةِ لَكُمْ وَإِنْ لَمْ تُحِبُّوا تَرْكَهَا، وَالْمُبْلِيَةِ لِأَجْسَامِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ تَجْدِيدَهَا…… فَلاَ تَنَافَسُوا فِي عِزِّ الدُّنْيَا وَفَخْرِهَا.. فَإِنَّ عِزَّهَا وَفَخْرَهَا إِلَى انْقِطَاع، وَزِينَتَهَا وَنَعِيمَهَا إِلَى زَوَالٍ، وَضَرَّاءَهَا وَبُؤْسَهَا إِلَى نَفَادٍ ، وَكُلُّ مُدَّةٍ فِيهَا إِلَى انْتِهَاءٍ، وَكُلُّ حَيٍّ فِيهَا إِلَى فَنَاءٍ “
” اتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ… وَاسْتَعِدُّوا لِلْمَوْتِ فَقَدْ أَظَلَّكُمْ … فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً، وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدىً…فَاتَّقَى عَبْدٌ رَبَّهُ، نَصَحَ نَفْسَهُ، قَدَّمَ تَوْبَتَهُ، غَلَبَ شَهْوَتَهُ، فَإِنَّ أَجَلَهُ مَسْتُورٌ عَنْهُ…فَيَا لَهَا حَسْرَةً عَلَى كُلِّ ذِي غَفْلَةٍ أَنْ يَكُونَ عُمُرُهُ عَلَيْهِ حُجَّةً…”