شهر رمضان وإنقضاء الزمان
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ…. معرفة قيمة الوقت وإدراك معنى مروره وسرعة إنقضاء الأيام …من أهم الدروس الملموسة في شهر رمضان. فإلى الآن
إنقضى أكثر من نصف شهر الله تعالى، الذي كنا ننتظر ونترقب وصوله وعبوره ، فإذا بالنصف الأول يمضي بسرعة، وهكذا يمضي النصف الثاني وهكذا يمضي كل العمر وتمام أيام الدنيا ” وأرى نفسي تخادعني وأيامي تخاتلني “.
تذهب الساعات وتبقى التَّبِعات…..
قال الله ربي جل جلاله :
” قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112)
قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ (113)” المؤمنون
رب صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ،
فَإنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغْلٍ فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلاَمَةٍ لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ وَلاَ تَلْحَقُنَا فِيهِ سَأْمَةٌ ….. إنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ، وَمُسْتَجيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.
العمر يمر بسرعة
هذه هي قصتنا مع عمرنا الذي مضى ، وهذه قصتنا مع الأيام الباقية…والزمن لا يتوقف ولا ينتظر ولا يعود ولا يستدرك، وكل ثانية تولد ميتة …وأنت تحييها.
والوقت أثمن ما نملك.
قيل : ” إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما ” .
وقيل : ” إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناسُ مرحلةً مرحلة ، حتى ينتهيَ ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدّم في كل مرحلة زادا لِما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عن قريب هو ، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاضٍ من أمرك “.
وقيل لأحدهم يوماً : ” أخّر هذا العمل إلى الغد ، فقال :” ويحكم ، إنه يُعجزني عملُ يومٍ واحد ، فكيف أصنع إذا اجتمع عليَّ عملُ يومين ؟”
صباح بلا مساء ومساء بلا صباح
قال : يا أبا ذر إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، وحياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غداً .
وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : إن لله سبحانه ملكا ينادي كلَّ يوم يا أهل الدنيا لدوا للموت وابنوا للخراب واجمعوا للفناء.
قال الشاعر :
لِدُوا للموتِ وابنُوا لِلخَرابِ فكُلُّكُمُ يَصِيرُ إلى تَبابِ
لِمنْ نبنِي ونحنُ إلى ترابِ نصِيرُ كمَا خُلِقْنَا منْ ترابِ
ألا يا مَوْتُ! لم أرَ منكَ بُدّاً أتيتَ وما تحِيفُ وما تُحَابِي
كأنّكَ قد هَجَمتَ على مَشيبي كَما هَجَمَ المَشيبُ على شَبابي
أيا دُنيايَ! ما ليَ لا أراني أسُومُكِ منزِلاً ألا نبَا بِي
ألا وأراكَ تَبذُلُ، يا زَماني، لِيَ الدُّنيا وتُسرِعُ باستلابِي
وإنَّكِ يا زمانُ لذُو صَروفُ وإنَّكَ يا زمانُ لذُو انقلابِ
سأسألُ عنْ أمورٍ كُنْتُ فِيهَا فَما عذرِي هُنَاكَ وَمَا جوَابِي
بأيّة ِ حُجّةٍ أحْتَجُّ يَوْمَ حِسابِ، إذا دُعيتُ إلى الحسابِ
فَإمَّا أنْ أُخَلَّدَ في نعِيم وإمَّا أنْ أُخَلَّدَ في عذابِي
وقال شاعر آخر :
ألا ليتَ الذى بينى وبينك عَامرٌ وبينى وبين العالمينَ خَرابُ
إذا صحَّ منكَ الوِدُّ فالكلُّ هينٌ وكلُّ الذى فوقَ التُّرابِ تُرابُ
قيمة المرء فعله
قال قيس بن عاصم : وفدت مع جماعة من بني تميم إلى النبي صلى الله عليه وآله فدخلت وعنده الصلصال بنُ الدلهمس فقلت : يا نبي الله عظنا موعظه فإنا قومٌ نعبر في البرية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
” …إن مع الحياة موتا ، وإن مع الدنيا آخرة ،
وإن لكل شئ حسيبا ، وعلى كل شئ رقيبا،
وإن لكل حسنة ثوابا ، ولكل سيئة عقابا ، ولكل أجل كتابا ،
وإنه لا بد لك يا قيس من قرين يدفن معك وهو حي، وتدفن معه وأنت ميت ، فإن كان كريما أكرمك ، وإن كان لئيما أسلمك ، ثم لا يحشر إلا معك ولا تبعث إلا معه ، ولا تسأل إلا عنه ، فلا تجعلْه إلا صالحا، فإنه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلا منه ، وهو فعلك “
سرعة إنقضاء الدنيا
ومن كلام لأمير المؤمنين علي وعظ به بعضَ أصحابه :
” أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أشرفت باطلاع،
ألا وإن اليوم المضمار، وغداً السباق ، والسبقة الجنة ، والغاية النار ،
أفلا تائب من خطيئته قبل منيته ؟!
ألا عاملٌ لنفسه قبل يوم بؤسه ؟
ألا وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن عمل في أيام أمله قبل حضور أجله نَفَعَه عملُهُ ، ولم يضرره أجلُهُ ، ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة .
…….
ألا وإنكم قد أُمِرتُم بالظعن، ودُلِلْتُم على الزاد…
تزودوا من الدنيا ما تحرزون أنفسكم به غداً “
” وانقلني إلى درجة التوبة إليك ، وأعني بالبكاء على نفسي ، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري……
إلهي ارحمني إذا أشتد مني الانين وحُظر عليَّ العمل وانقطع مني الأمل ، وأفضيت إلى المنون وبكت عليَّ العيون ، وحُثيَّ عليَّ التراب وودعني الاهل والأحباب ونُسي اسمي وبَلِيَ جسمي وانطمس ذكري وهُجر قبري…”