لا يتوقف المرء كثيرا عند وجود حالات محدودة جدا من العمالة أو الجاسوسية في مجتمع أو تنظيم أو حزب ما ، فهذا يحدث في كل بيئة ودولة وفي كل زمان. إنما
نتوقف أكثر من الكثير عند بعض الردود الخسيسة ومواقف الخِفَّة عند شخصيات وفئات تُحيط بها التُّهم من كل جانب, وكيف أنهم يتناولون الأحداث بخلفيات سطحية تفتقد إلى حِسِّ المسؤولية.
فعندما أعلن أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله وجود حالات فردية من العمالة, تعامل الحريصون والمُتَّزنون مع الحدث على طبيعته وأَوْلَوْه حجمه الفعلي ، لكن المفاجأة كانت من المناوئين الذين يسكنون معنا في هذا الوطن والذين لم تزدهم “ويكيليكس” إلا إدانة إلى إداناتهم الذين عُرفوا بها ورأى الناس بعضها بالصوت والصورة والتصريح والمقابلة والكتابة والبيانات والإجتماعات ، فكانت جاسوسيتهم هوية لهم.
فمَنْ يقرأ التاريخ أو له أدنى إطلاع على مسيرة الشعوب والجيوش والأحزاب يرى أنه ليس هناك من بيئة معصومة بمعنى الكمال, إنما هناك بيئة مُحصَّنة أو تحت المراقبة أكثر من غيرها ، ووجود الشواذ هو القاعدة لكل قاعدة.
لذا كان من الغرابة بمكان أن ينبري ” المستقبليون” لتظهير صور موهومة وتركيب إشاعات وإختلاق أحداث تماما كما رأى العالم كيف تعاملوا مع الأحداث في سوريا في الأسابيع الماضية :
فالمحدودية والخِفَّة وضيق الأفق هي الحاكمة على كل تحركاتهم, فبدل أن يدينوا الجهة المتَّهمة “ووكر الجاسوسية” التي ما فتئت تُخطط للتخريب والتجنيد والتفجير والإغتيال ، علناً وسراً ، وهذا دَيْدَنها في كل مكان ، بدل ذلك أدانوا الطرف الآخر ، ليُثبتوا مجددا وبعد عشرات المرات أنهم يعتقلون القتيل بل ويحاكمونه ، ويتغافلون عن القاتل بل ويطيعونه.
إنها ظاهرة المرض الفتاك الذي ينخر المجتمع اللبناني حيث تُهمل الأحداث الكبرى المصيرية وتُميَّع ، وبالمقابل تُسلّط الأحقاد والضغائن على أصحاب قرارات ومواقف الممانعة والتحرُّر.
لا يمكن أن يستمر وطن وفيه مسؤولون “وشخصيات ” تستغل الأحداث الصغيرة والكبيرة للتصويب على مواطنيها والفتك بهم بل التآمر عليهم.
إجتماعات ولقاءات وتصريحات وقُبلات ” رايس” رآها الناس وعايشوها عندما كانت الصواريخ الإسرائيلية تفتك بأهلنا وشعبنا وتهدم بيوتنا .
وطاولات” الخبز والملح” أُقيمت عندما كان أطفالنا يُنحرون بالمجان على مائدة الأمريكان.
ووزير” الشاي” ومَن وراءه معنوياً ومادياً ما زال ينشط ويُزبد ويرعد.
فرق بين حالة جاسوسية نسبتها واحد إلى عشرات الآلاف, وبين حالة جاسوسية لها دِثار وشعار وتجر صاحبها إلى العار.
$(function(){ $('#share').click(function(){ $('#social-buttons-container').toggle(); }); });