إحتياجات الإنسان صنفان: كل فردٍ منا ، لا بدَّ له من إحتياجات بمقدارٍ ضرورةٍ، لا تستمر الحياة من دونها أو تستمر لكن بصعوبة…وهناك إحتياجات عادية
كمالية فائضة.
وكثير من الفائض لا يستفيد منه، لأنَّ طاقته على الطعام والشراب واللباس، ومتاعِ الدُّنيا بأصنافه، محدودةٌ.
والقليل النافع في طاعة الله تعالى، خير من الكثير الذي يَصرف القلبَ عن التفكُّر والتذكُّر والتوجه….
المحاسبة على الفائض:
والحريص على الفائض عن حاجته، سوف يحاسبُ عليه بعد موته.
قال الله ربي سبحانه :
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (111) الانبياء
ورُوي عن مولانا رسولِ صلى الله عليه وآله وسلم : «ما قلَّ وكفى، خيرٌ ممَّا كثُر وألهى» وسائل الشيعة ج11، ص316، ح5.
وفي وصيته صلى الله عليه وآله وسلم:
«يا علي إنَّ الدُّنيا لو عَدَلَت عند الله جناحَ بعوضة، لما سقى الكافر منها شربة من ماء، يا علي ما أحد من الأولين والآخرين إلاَّ وهو يتمنى يوم القيامة أنَّه لم يُعط من الدُّنيا إلاَّ قوتاً» المصدر نفسه ج11، ص316، ح4.
وجاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة قوله:
«يا بن آدم، ما كسبتَ فوقَ قُوتِكَ، فأنت فيه خازنٌ لغيرك»
هدر وقت وجهد وتعب عضلي ونفسي وعقلي:
ومن هنا كان كره الحرص على الدُّنيا بمعنى صرف الجهدِ في تحصيلها وتحصيلِ الفائضِ منها والتعلقِ بها… فالحريص في عناء دائم.
والحريص لا يرتاح في دنياه، حتى ولو كان مكتفياً أو غنياً أو ميسوراً، ما دامت نفسه متعطشةً أو هائمةً في طلب المزيد , فقد يظهر أمامَ الناسِ بمظهر الشبعان، وإن كان بينَه وبينَ نفسِه كالجوعان.
رُوي عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قوله: «حُرِم الحريصُ خَصلتين، ولزمته خَصلتان: حُرِم القناعة، فافتقد الراحة، وحُرِم الرضا فافتقد اليقين» وسائل الشيعة: ج11، ص318، ح4.
وروي عن الباقر عليه السلام قوله: «مَثَلُ الحريص على الدُّنيا، مَثَلُ دودةِ القز، كلَّما ازدادت على نفسها لفّاً، كان أبعدَ لها من الخروج حتى تموتَ غمّاً» المصدر نفسه: ح1. .
ومن روائع ما رُوي حولَ كثرةِ الهمومِ وانشغالِ النفس، قولُ الصادق عليه السلام: «لا تُشعروا قلوبَكم الاشتغال بما قد فات، فتُشغلوا أذهانكم عن الاستعداد لما لم يأت» المصدر نفسه. وهذا الكلام يحتاج إلى تدبر وتفهم .
ومن الطبيعي، أنَّ مَنْ صرف وقتَه وجهَده وعمرَه في جمع الأموال، لكي لا يستعملها في حياته، ويخطفها الورثةُ منه بعد مماته، من الطبيعي أن تعظمَ حسرتُه لفراقها، ولمحاسبته عنها.
رُوي عن الصادق عليه السلام أنَّه قال: «مَنْ كثر اشتباكُه في الدُّنيا، كان أشدَّ لحسرته عند فراقها» وسائل الشيعة ج11، ص318، ح3.
ماذا يبقى من الكماليات والمظاهر :
قال أمير المؤمنين عليه السلام
…ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ، وَعَنَاءٍ، وَغِيَرٍ، وَعِبَرٍ… وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لاَ يَأْكُلُ، وَيَبْني مَا لاَ يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُج إِلَى اللهِ، لاَ مَالاً حَمَلَ، وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ…. وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ، فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ، وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ في الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا: فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ…. فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وَخَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ لاَ يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ، مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ، وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوُمَ رَجْعَتُهُ.