القلوب بين الإقبال والإدبار
بسم الله الرحمن الرحيم…. في أمهات كتب الأحاديث لدينا باب” الاقتصاد في العبادة”. ومن الأدب إتيان الكثير من المستحبات سرا. وفي العقيدة “لا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا “…
قال الله سبحانه ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” (286) البقرة
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : « إنَّ النفس ملولة وإنّ أحدكم لا يدري ما قدر المدة ، فلينظر من العبادة ما يطيق ، ثم ليداوم عليه ، فإنّ أحبَّ الاَعمال إلى الله ما دِيم عليه وإن قلّ »
صلاة الأضعف…رحمة :
وكان آخر ما عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه قال : صل بأصحابك صلاة أضعفهم ، فإن فيهم الكبير ، والضعيف ، وذا الحاجة .
وكان يعجل في صلاة الجماعة فيتمها وهو آنس الخلق بعبادة ربه لأنه سمع طفلاً في المسجد يبكي وأمه مؤتمة في صلاتها. فقيل له في ذلك، فأجاب: أو ما سمعتم صراخ الصبي؟!
ومن كتاب له عليه السلام إلى أمراء البلاد في معنى الصلاة…وَصَلُّوا بِهِمْ صَلاَةَ أَضْعَفِهِمْ ، وَلاَ تَكُونُوا فَتَّانِينَ ./ك52
ومن كتاب له عليه السلام كتبه للأشتر النَّخَعي رحمه الله، لمّا ولاه على مصر…وَإِذَا قُمْتَ فِي صَلاَتِكَ لِلنَّاسِ، فَلاَ تَكُونَنَّ مُنَفّرِاً وَلاَ مُضَيِّعاً ، فَإِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ بِهِ الْعِلَّةُ وَلَهُ الْحَاجَةُ. وَقَدْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَجَّهَنِي إِلَى الَيمنِ كَيْفَ أُصَلِّي بِهِمْ؟ فَقَالَ: “صَلِّ بِهِمْ كَصَلاَةِ أَضْعَفِهِمْ، وَكُنْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً”…/ك53
للقلوب إقبال وإدبار:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :” ألا إن لكل عبادة شرة (الرغبة والنشاط) ثم تصير إلى فترة(فتور )، فمن صارت شرة عبادته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن خالف سنتي فقد ضل، وكان عمله في تباب (الخسران والهلاك)، أما إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأضحك وأبكي، فمن رغب عن منهاجي وسنتي فليس مني…”
فالأمر طبيعي لأن يحدث للمرء فتور فعليه بالفرئض ….. والخطر أن تتحول العبادات إلى عادات !
وقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن القلوب اقبالا وإدبارا, فإن اقبلت فاحملوها على النوافل وإن أدبرت فاقتصروا على الفرائض.
ومن كتاب له عليه السلام فِي شأن الْعِبَادَةِ إلى الحارث الهَمْدَاني :
… وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ(خداع النفس: جعل المبادرة بيد العقل لتحريرها من أسر هواها )، وَارْفُقْ بِهَا(بنَفْسكَ) وَلاَ تَقْهَرْهَا، وَخُذْ عَفْوَهَا (أي وقت فراغها وارتياحها إلى الطاعة) وَنَشَاطَهَا، إِلاَّ مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّها/ك 69
وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة.
الدين المتين :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق(1) ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المُنْبَتِّ (الراكب المُنْبَتِّ: هو الذي أتعب دابته حتى عطب ظهره، فبقي منقطعا به لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى) الذي لا سفرا قطع ولا ظهرا أبقى(3).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك، إن المُنْبَتِّ يعني المفرط لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع، فاعمل عمل من يرجو أن يموت هرما واحذر حذر من يتخوف أن يموت غدا.
وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: مرَّ بي أبي وأنا بالطواف وأنا حدث وقد اجتهدت في العبادة، فرآني وأنا أتصاب عرقا، فقال لي: يا جعفر يا بني إن الله إذا أحب عبدا أدخله الجنة ورضي عنه باليسير.
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أبي يقول: ما من أحد أبغض إلى الله عز وجل من رجل يقال له: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل كذا وكذا، فيقول: لا يعذبني الله على أن أجتهد في الصلاة والصوم، كأنه يرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله ترك شيئا من الفضل عجزا عنه.
وعن علي عليه السلام قال: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، ثم قال: تعلموا ممن علم فعمل.
___________
(1)الايغال: والوغول الدخول في الشئ يعنى سيروا في الدين برفق وابلغوا الغاية القصوى منه بالرفق لا على التهافت والخرق ولا تحملوا على انفسكم ولا تكلفوها ما لا تطيق فتعجز وتترك الدين والعمل.
(2)المنبت: بفتح الموحدة بعد النون وتشديد المثناة من فوق، يقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته: قد انبت، من البت بمعنى القطع فهو مطاوع بت.
(3)الظهر: المركب: يريد أنه بقى في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب مركبه.