إحباط الأعمال
يتعرض المؤمن للفتن ، والفتن قد تؤدي للإنحراف ، والإنحراف قد يؤدي لإحباط العمل…فالمؤمن على خطر ومحنة عظيمة .
بسم الله الرحمن الرحيم
وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة
الحبط :
والحبط هو بطلان العمل وسقوط تأثيره، والحبوط لغة هو انتفاخ بطن الدّابة حيت تأكل نوعاً ساماً من الكلأ ثم تلقى حتفها، وهذا اللفظ أنسب شيء لوصف الأعمال التي يظنّ أصحابها أنها رابحة ولكنها تنتهي إلى البوار.
والحديث عن احباط الاعمال تكرر ذكره في القرآن الكريم ست عشرة مرة بصيغ مختلفة.
وكنموذج :
ورد في سورة “محمد ” ذكر إحباط الاعمال وقبولها مرات عديدة (بصيغة : فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ … وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ … وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) وهذا لأهمية الأعمال في حياة المسلم، وتربط السورة دائماً مسألة قبول أو إحباط الأعمال بإطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم واتّباع أوامره وسنّته.
الإحباط في العمل:
ولم ينسب ” الإحباط ” في القرآن إلا إلى العمل كقوله تعالى: “وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ “(147) الأعراف ،
وقال تعالى «لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين» الزمر 65،
وقال سبحانه «وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون» هود 16، وقال تعالى «وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا» الفرقان23.
وحبط العمل على أضرب:
أحدها: أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناء، كما أشار إليه بقوله: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا/الفرقان23.
والثاني: أن تكون أعمالا أخروية، لكن لم يقصد بها صاحبُها وجهَ الله تعالى .
والثالث: أن تكون أعمالا صالحة، ولكن بإزائها سيئات تقضي عليها، وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان قال تعالى: «ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم» النحل 25، وقال «وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم» العنكبوت 13
قال الإمام علي عليه السلام : فَاعْتَبِروا بِمَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللهِ بِإِبْلِيسَ، إِذْ أَحْبَطَ عَمَلَهُ الطَّوِيلَ، وَجَهْدَهُ الْجَهِيدَ، وَكَانَ قَدْ عَبَدَ اللهَ سِتَّةَ آلاَفِ سَنَةٍ، لاَ يُدْرَى أَمِنْ سِنِي الدُّنْيَا أَمْ مِنْ سِنِي الْآخِرَةِ، عَنْ كِبْرِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. فَمَنْ بَعْدَ إِبْلِيسَ يَسْلَمُ عَلَى اللهِ بِمِثْلِ مَعْصِيَتِهِ؟ كَلاَّ، مَا كَانَ اللهُ سُبْحَانَهُ لِيُدْخِلَ الْجَنَّةَ بَشَراً بِأَمْرٍ أَخْرَجَ بِهِ مِنْهَا مَلَكاً. إِنَّ حُكْمَهُ فِي أَهْلِ السَّماءِ وأَهْلِ الْأَرْضِ لَوَاحِدٌ، وَمَا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ هَوَادَةٌ فِي إِبَاحَةِ حِمىً حَرَّمَهُ عَلَى الْعَالَمينَ.خ/192
أثره في الحياة الدنيا كما الآخرة:
وللحبط تعلق بالأعمال من حيث أثرها في الحياة الآخرة، فإن الإيمان يطيب الحياة الدنيا كما يطيب الحياة الآخرة، قال تعالى «من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» النحل 97، وخسران سعي الكافر، وخاصة من ارتد إلى الكفر بعد الإيمان، وحبط عمله في الدنيا ظاهر لا غبار عليه، فإن قلبه غير متعلق بأمر ثابت، وهو الله سبحانه، يبتهج به عند النعمة، ويتسلى به عند المصيبة، ويرجع إليه عند الحاجة، قال تعالى «أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» الأنعام 122، تبين الآية أن للمؤمن في الدنيا حياة ونورا في أفعاله، وليس للكافر، ومثله قوله تعالى، «فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيمة أعمى» طه 124، حيث يبين أن معيشة الكافر وحياته في الدنيا ضنك ضيقة متعبة، وبالمقابلة معيشة المؤمن وحياته سعيدة رحبة وسيعة.
فالحبط وارد في مورد الذين لا عمل عبادي، ولا فعل قربي لهم كالكفار والمنافقين كقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم» محمد 9، وقوله تعالى: «إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين» آل عمران 22
فمحصل الآية كسائر آيات الحبط هو أن الكفر والارتداد يوجب بطلان العمل عن أن يؤثر في سعادة الحياة، كما أن الإيمان يوجب حياة في الأعمال تؤثر بها أثرها في السعادة.
حبوط الأعمال :
من الأمور الخطيرة والتي ينبغي التنبيه عليها مسألة ردّ العمل أو حبوط الأعمال، وهذه المسألة بيَّن اللَّه تعالى خطرها وعظم شأنها وضرب لذلك مثلاً في سورة البقرة، فقال تعالى أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون
أسباب محبطات الأعمال
أولاً: الشرك بالله تعالى:
وهو الداء الخبيث والمرض القاتل لا محالة إلا أن يتوب صاحبه، ومن تاب، تاب اللَّه عليه، قال تعالى ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين الزمر 65
وقال تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما النساء.
وليعلم المسلم أن الشرك بالله تعالى لا تقوم أمامه قائمة من عملٍ أبدًا لقوله تعالى ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون الأنعام.
ويقول تعالى في سورة الإسراء ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا قال وهو مؤمن لأن الكفر والشرك لا يصلح معهما أي عملٍ قط.
إن من سنن اللَّه تعالى التي لا تتغير أن اللَّه لا يقبل من عباده عملا إلا أن يأتوا بالتوحيد الذي هو حق اللَّه على العبيد.
والشفاعة يوم القيامة خاصة بأهل التوحيد الذين خلّصوا أنفسهم من دنس الشرك، فالشفاعة “لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا”.
ثانيًا: الرياء
مثل أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الناس إليه.
ثالثًا: انتهاك محارم الله في الخلوة
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ليأتين أقوام من أمتي يوم القيامة بحسنات كأمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها اللَّه هباءً منثورًا، فقال الصحابة رضي الله عنهم: صفهم لنا يا رسول اللَّه نخشى أن نكون منهم؟ فقال: هم منكم يصلون كما تصلون ويصومون كما تصومون ويأخذون من الليل ما تأخذون، غير أنهم إذا خلوا بمحارم اللَّه انتهكوها».
روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ثلاث مَن لقي الله عزّ وجلّ بهنّ دخل الجنّة من أي باب شاء : مَن حَسُن خُلُقه ، وخشي الله في المغيب والمحضر ، وترك المراء وإن كان محقّاً. جواهر البحار
رابعًا: المن بالعمل الصالح
الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر
[البقرة]
“والمنان بعطيته” هو من الثلاثة “الذين لا ينظر اللَّه إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم “.
خامسًا: رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقد عدّ العلماء رفع الصوت بعد وفاته كرفعه في حياته أو عند قبره قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون [الحجرات:2].
وهذا في حال حياته وبعد مماته لأنه محترم حيًا وميتًا صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم فعبر بغض الصوت مع أن الغض للبصر، وهذا أعلى مراتب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
سادسًا: كراهية شيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن عمل به:
قال تعالى: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم محمد 9.
فكراهية شيء من شرع الله تعالى وهدي نبيه الأمين محبط للعمل كالذي يعتقد أن الشرع لا يصلح في هذه الأزمنة ويرونه جمودًا ورجعية.
فهذه بعض أسباب حبوط العمل، نسأل اللَّه تعالى أن يحفظنا ويحفظ علينا ديننا، ونسأله التوفيق والرشاد، إنه على كل شيء قدير.
قال الإمام علي عليه السلام:عباد الله ,الآنَ فاعملوا …والابدان صحيحة والالسن مطلقة فصيحة والتوبة مسموعة والاعمال مقبولة ..