أيُّ علمٍ مجَّده الإسلام؟
بسم الله الرحمن الرحيم…. بعضهم أخذ في تمجيد «العلم» وتعظيمه… حتى أصبح هو الميزان والمقياس. 1 ـ فلا يُؤمن بشيء، ولا يفعل شيئاً إلاَّ بطريقة
علميَّة!
2 ـ وإذا أراد أن يُهيمن عليك ادَّعى أنَّ أسلوبه علمي.
3 ـ والشبهة الكبيرة أنَّه في كل شاردة وواردة يُحاول الاستقواء لنصرة رأيه بآية أو رواية… ولو انتُزعت من سياقها، أو بُترت عن مقصودها!
فإذا أردنا أن نقيس كلَّ شؤون الدين بالمَسْطرة والقلم… مُحِقَ الدين.
هذا أولاً.
وثانياً:
العلم الذي مَدَحَهُ الإسلام، في الآيات والروايات، ليس مُنْفصلاً عن العقيدة من جهة، وعن المسلك من جهة أخرى.
فإن كان «العلم» منفصلاً عن العقيدة، وقُصد به علم المختبرات فقط، فماركس ولينين من رؤوس المؤمنين، والعياذ بالله!!!
وإنْ كان منفصلاً عن المَسْلك، فماذا نفعل بالنصوص المتحدِّثة عن علماء السوء، وعلماء الدنيا، وعلماء النار، والعلمُ الوبالُ على صاحبه، وعن العلم الذي هو شيطنة، وعن الذين يأكلون الدين بالدنيا؟!…
ولتغيَّرت مفاهيم الإسلام من أساسها.
* * *
إنَّ العلم الذي يقصده الإسلام، هو الذي يهدي إلى الإيمان والتقوى، ويجعل صاحبه منضبطاً بضوابط الشرع والدين، وليس هو مجرَّد نظريات في الكيمياء والطب والفلك(وأنا أكتب هذه الكلمات، (في آب 1998) نُقل في نشرات الأخبار، أنّ مجموعة من الأطِّباء والاختصاصيين تُشرف على تعذيب السجناء في معتقلات اليهود, فهل نفع «علمهم»، بحسب المصطلح، هل نفع الإنسانيَّة؟].
والعلم الذي مجَّده الإسلام ودعا إليه، هو العلم الذي رأسه التواضع «ومن ثمراته التقوى، واجتنابُ الهوى، واتِّباع الهدى، ومجانبةُ الذنوب، ومودَّة الاخوان، والاستماعُ إلى العلماء والقبولُ منهم..»[( مضمون حديث شريف)] وليس العلم الذي يدعو إلى التكبُّر، والفساد، والرشوة، والنَّزوة، واستغلال الناس والمنصب، وإنكار الحق.
والعالم الذي مدحه الإسلام هو الذي له «ثلاث علامات:
العلم بالله، وبما يُحبُّ، وما يكره»[( مضمون حديث شريف)].
وليس هو الذي يُجاهر في عدائه لله تعالى، وفي عناده، وطغيانه..
وفي النصِّ الشريف عن العالم الحقيقي وليس المزيَّف، كما ورد عن رسول الله (ص):
«مَنْ أُوتي من العلم ما لا يُبْكيه، لحقيق أن يكون قد أُوتي عِلْمَ ما لا ينفعه»[( حديث شريف)].
لأنَّ العلم الحقيقي هو الذي يُؤدي إلى زيادة الخشوع والتقوى، لذلك يُبْكيه… أمّا عدم النَّفع، لأنَّه لا ينفعه في الآخرة وهي المقياس.
وأكثر مَنْ يمدحون العلم في زماننا بالكاد ينفعهم في دنياهم فقط.
ويستشهد الرسول (ص)، بوصف الله للعلماء في قوله عزَّ وجلّ:
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)
وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108)
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
(سورة الإسراء المباركة)
وبعضُ مَنْ يهوى الاستشهاد بالآية الكريمة {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}الزُّمـَـر: 9 / في كل مناسبة، حتى ولو لم يكنْ الاستشهاد مناسباً أو صحيحاً… إنَّما يكون قد انتزع الآية عمَّا قبلها وعمَّا بعدها… وهذا تضليل، وإنْ عن غير قصد.
فالآية المقدَّسة عن الله جلَّ ثناؤه تقول:
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
(سورة الزُّمر المباركة، الآية 9، قانتٌ: خاضعٌ لله تعالى دائماً، اناء الليل: ساعات الليل)
(لاحِظْ صدرَ الآية وخاتمتها ثم موقع الذين يعلمون).
فالعالِمُ المقصود، هو القانت لله تعالى في الليل، والقائمُ والساجد والمتعبِّد الذي يحذر الاخرة، ويرجو رحمة ربِّه… لا العالم الذي يُفسد فطرةَ الخلق ويدعو إلى الإلحاد.
والنتيجة أنَّ كلَّ علم ينقطع عن أصله الإيماني، لم يمدحْه القرآن الكريم، ولم يُثن على أهله.
وحان لهذا الأمر أن يُصبح واضحاً.
من هنا وجوب الحيطة والحذر من أي فكر أو ثقافة أو علم يأتي من الغربيين، من أن تُداخله رواسب أو مفاهيم مخالفة لأُسُسِنا الدينيَّة النقيَّة الأصيلة.
خاصة أنَّ أكثر التاريخ الأوروبي معاند للدين… وللإسلام بشكل خاص.
* * *
عفوك يا ربِّ من هذا الاتجاه الانهزامي أمام «العلم الحديث»، واعتبار أنَّ كل نظريَّة قانون مُسَلَّم! (مع أنَّ ما يُنْشَر في الصحف من إبطال وانتقاد، أمرٌ يومي).
وأنَّ كلَّ مَنْ حَفِظَ القواعد والمصطلحات أصبح عالماً!
وأنَّ كلَّ مَنْ أكثر الكلام والتشدُّق والحركات بيديه أصبح مُثقَّفاً!
هناك فرق شاسع بين التحضر من جهة , والتقدم التقني من جهة أخرى ,أي الربط بين الحداثة والتقدم التقني بالمطلق .